• مقولة «الصخري الأمريكي» سيتراجع بدور السعودية آراء مضللة

    18/09/2014

    ​خلال كلمته في مؤتمر الخليج العربي والتحديات الإقليمية
     مقولة «الصخري الأمريكي» سيتراجع بدور السعودية ..آراء مضللة
     
     

    الأمير عبد العزيز بن سلمان متحدثا في مؤتمر الخليج العربي والتحديات الإقليمية في الرياض أمس. «واس»
     
     
     
     

    أكد الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز مساعد وزير البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول، أن دول الخليج ستواصل أداء دور مركزي في سوق النفط العالمية، وأن الآراء القائلة إن الزيت الصخري في الولايات المتحدة سيؤدي إلى تراجع الدور المهم الذي تؤديه السعودية، وغيرها من المنتجين في دول الخليج في أسواق الطاقة العالمية خلال القرن الماضي، ليست إلا آراء مضللة.
    وقال مساعد وزير البترول في كلمة ألقاها أمس أمام مؤتمر الخليج العربي والتحديات الإقليمية الذي ينظمه معهد الدراسات الدبلوماسية بالتعاون مع مركز الخليج للأبحاث: إنه إضافة إلى حجم احتياطيات السعودية وإنتاجها، يوجد عامل مفصلي يميز السعودية، يتمثل في أنها الدولة الوحيدة التي تتمتع بطاقة إنتاجية فائضة قابلة للاستخدام.
    ففي حال انقطاع الإمدادات نتيجة عوامل جيوسياسية أو فنية، وهو ما حدث كثيرا في السنوات الأخيرة، حيث عمدت السعودية إلى استخدام فائض طاقتها الإنتاجية، لتعويض نقص العرض، ما أدى إلى استقرار أسعار البترول.
    فبين عامي 2011 و2013 أشارت التقديرات إلى أن الأسواق فقدت أكثر من 1.6 مليار برميل من إنتاج البترول نتيجة انقطاع الإمدادات، بادر المنتجون في دول مجلس التعاون الخليجي إلى استخدام فائض طاقتهم الإنتاجية، لتعويض نقص العرض والحيلولة دون الارتفاع السريع والمبالغ فيه لأسعار البترول.
    وقد ارتفع الإنتاج المشترك للسعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة من نحو 14 مليون برميل يوميا، قبل بداية الربيع العربي، إلى أكثر من 16 مليون برميل يوميا خلال معظم السنوات الثلاث الماضية.
    كما تنتشر وجهة نظر أخرى على نطاق واسع، تفيد بأن تراجع اعتماد الولايات المتحدة على واردات البترول من المنطقة، سيؤدي إلى تراجع اهتمام الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وعلاقاتها المتميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي.
    وأضاف أنه تاريخيا، كان اعتماد الولايات المتحدة على الواردات من السعودية متواضعا، ففي عام 1977 بلغت واردات الولايات المتحدة من البترول الخام من المملكة معدل 1.3 مليون برميل يوميا، ثم ارتفعت إلى 1.7 مليون برميل يوميا في عام 1991، إبان حرب الخليج الأولى، لتعود إلى 1.3 مليون برميل يوميا في عام 2013.
    كما بلغ معدل واردات الولايات المتحدة من البترول الخام من دولة الكويت عام 2013 نحو 300 ألف برميل يوميا، وهذه تعد أكبر كمية تستوردها الولايات المتحدة من الكويت خلال العقدين الماضيين.
    وبالنسبة لمنتجي دول المجلس الأخرى كالإمارات وعمان وقطر كانت صادراتها البترولية إلى الولايات المتحدة تعادل الصفر تقريبا خلال العقود الثلاثة الماضية. وتدل هذه الاتجاهات على أن التغيرات في صادرات المنتجين في دول المجلس إلى الولايات المتحدة، تمليها ظروف السوق والاعتبارات التجارية.
    وسواء استوردت الولايات المتحدة البترول الخام من دول مجلس التعاون الخليجي أم لم تستورد، فهي مسألة قليلة الأهمية بالنسبة إلى ديناميكية أسواق البترول العالمية، ذلك أن الخامات البترولية قابلة للاستبدال بخامات أخرى مشابهة، فالبترول الذي لا يمكن بيعه للولايات المتحدة سيجد طريقه إلى أسواق أكثر حاجة إليه.
    وأضاف الأمير عبد العزيز بن سلمان أنه في أثناء هذه التحولات على الساحة العالمية، ثمة تساؤلات عديدة تطرح حول الدور المستقبلي لدول مجلس التعاون الخليجي، وموقعها من النظام العالمي في مجالات السياسة والاقتصاد والطاقة.
    حيث يتوقع بعض المراقبين مستقبلا بالغ الغموض لهذه المنطقة، ويجادل هؤلاء المراقبون بأن التأثير الناشئ عن التطورات الحالية لقطاع الطاقة في الولايات المتحدة، سيكون له أثر واضح يؤدي إلى تحولات مهمة ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل تمتد آثارها إلى بقية أنحاء العالم. يترتب عليها تراجع الدور المهيمن الذي مارسته السعودية وغيرها من منتجي الطاقة في الخليج في أسواق الطاقة العالمية.
    ويحذر هؤلاء المراقبون من أن التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الناتجة من هذه التحولات، قد تكون جسيمة، وتأتي هذه التوقعات غير مفاجئة للسعودية، في أوقات بالغة الغموض وسريعة التحول، فإن ظهور مثل هذه التوقعات المتشائمة، هو أمر متوقع. ولكن، كما حدث في الماضي، سينقض المستقبل هذه التوقعات.
    وأوضح أن العولمة، والتصنيع، والتحضر، والتطور السريع-المعتمدة على الطاقة- أخرجت مئات الملايين من البشر من الفقر، وأوجدت طبقة متوسطة كبيرة في بلدان الأسواق الناشئة. ففي آسيا وحدها يمكن اعتبار 525 مليون نسمة كطبقة متوسطة، وهو رقم يتخطى مجموع سكان الاتحاد الأوروبي.
    ويمكن القول إن أحد العوامل الرئيسة التي أسهمت في تشكيل أسواق الطاقة طوال العقود الثلاثة الأخيرة، هو نمو الطلب على الطاقة من خارج دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
    فبين عامي 1990 و2013، ارتفع استهلاك البترول في الدول خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) من نحو 25 مليون برميل يوميا إلى 45.7 مليون برميل يوميا؛ أي بزيادة تفوق 20 مليون برميل يوميا. في الفترة نفسها، لم تتجاوز زيادة الطلب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) 3.8 مليون برميل يوميا.
    وأضاف أنه من المتوقع نمو حجم الطبقة المتوسطة في العالم في خلال العقدين القادمين من المستوى الراهن 1.8 مليار نسمة إلى 3.2 مليار نسمة في 2020، وإلى 4.9 مليار نسمة في 2030، ومن المتوقع أن يكون معظم هذا النمو في دول آسيا. وخلافا لما في دول الغرب، سيكون غالبية الطبقة المتوسطة الناشئة في آسيا، شبابا يتطلعون لزيادة استهلاكهم.
    وسيؤدي ارتفاع مستويات دخل التركيبة السكانية الشابة إلى زيادة قوية في الطلب على البترول، حتى بعد الأخذ في الحسبان ترشيد الاستهلاك واستخدام بدائل للوقود الأحفوري في قطاع النقل. وبالنسبة لاستهلاك البترول والوقود السائل، حتى بعض السيناريوهات المتشائمة، تتوقع زيادة في الطلب تقارب 20 مليون برميل يوميا بحلول عام 2035.
    وأشار إلى أنه في حين أنه من المتوقع استمرار الطلب على البترول في اتجاهه التصاعدي، يتبين أن زيادة العرض أصبحت أكثر تحديا وأعلى تكلفة.
    فقبل بضع سنوات، هيمنت فكرة المتحمسين لنظرية ذروة النفط، المصرة على أن الإنتاج العالمي للبترول تخطى مستوى الذروة. أما اليوم، انقلبت تلك الفكرة رأسا على عقب، واستبدلت توقعات الذروة بتوقعات الوفرة.
    ويتوقع البعض احتمال توجه السوق البترولية نحو صدمة في أسعار البترول، واصفين الوضع الراهن بأنه شديد الشبه بالفترة 1981-1986، التي بلغت ذروتها بانهيار شديد في أسعار البترول عام 1986، وقد أسهم تطوير موارد الزيت الصخري في الولايات المتحدة إلى حد كبير في هذا التحول في الرؤى.
    وبين الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن هذه الرؤية حول وفرة البترول لا تتوافق كليا مع البيانات. ففي عام 2002، بلغ مجموع الإنتاج من خارج دول أوبك، باستثناء دول الاتحاد السوفياتي سابقا، نحو 36 مليون برميل يوميا.
    وفي عام 2013، بقي مجموع الإنتاج من تلك الدول عند نفس المستوى. بعبارة أخرى، طوال العقد الماضي، لم يرتفع مستوى الإنتاج من خارج دول أوبك باستثناء دول الاتحاد السوفياتي سابقا، ما يعكس حقيقة أن الاكتشافات البترولية الجديدة، وتطوير موارد جديدة كانت بالكاد كافية لتعويض معدلات الانخفاض في الحقول القائمة، التي كانت بالغة الحدة في بعض الدول.
    فعلى سبيل المثال، انخفض إنتاج المكسيك من 3.8 مليون برميل يوميا في 2004 إلى 2.8 مليون برميل يوميا في الوقت الراهن، كما انخفض إنتاج المملكة المتحدة من 2.9 مليون برميل يوميا في ذروة إنتاجها عام 1999 إلى 866 ألف برميل يوميا في الوقت الراهن. ومع توقع انخفاض المعدلات العالمية بنسبة 5 في المائة إلى 6 في المائة، وتحتاج صناعة البترول العالمية إلى إضافة إنتاج سنوي جديد يتراوح بين 4.5-5.5 مليون برميل يوميا، لتعويض الخسائر الناجمة عن انخفاض معدلات الإنتاج الطبيعية.
    وأفاد بأنه على الرغم من التواضع الشديد لنتائج التنقيب والحفر طوال العقد الماضي، ومعدل مخيب للآمال على صعيد الاكتشافات البترولية في الدول خارج منظمة أوبك، لا يزال البعض يتحدث عن إمدادات بترول وفيرة وأسعار بترول ضعيفة في الأجل الطويل، غير مدركين أنه حتى في ظل هذه الأسعار القياسية للبترول التي تخطى معدلها 100 دولار للبرميل خلال السنوات الثلاث الماضية، عمدت الشركات البترولية العالمية إلى خفض ميزانيات التنقيب سعيا لتخفيض التكاليف.
    والأسوأ من ذلك، أن النفقات الرأسمالية للتنقيب والإنتاج، ارتفعت إلى حد كبير خلال السنوات العشر الماضية. فالاكتشافات الجديدة أقل حجما، ومعدلات انخفاض الحقول المنتجة حاليا تضاعفت بحلول فترة اكتمال استهلاك الأصول والحاجة إلى إعادة تطويرها، والشركات زادت من نفقاتها في مجال الصيانة.
    وقد أدى ذلك إلى البحث عن مكامن جديدة للبترول بكلفة أعلى للتعويض عن النقص في مناطق أخرى، ما نتج عنه ارتفاع في مستوى سعر التعادل، أي تعادل النفقات مع العوائد، لدى شركات البترول العالمية، التي تعاني تراجع تدفقاتها النقدية الحرة بمقدار النصف منذ عام 2005. لذلك لم يكن مستغربا جراء ضعف أسعار البترول في الأسابيع الأخيرة، أن يحذر بعض الرؤساء التنفيذيين لكبرى شركات البترول من تعرض المليارات من الاستثمارات البترولية لمخاطر تراجع أسعار البترول الخام.
    وتحدث الرؤساء التنفيذيون صراحة عن اعتماد سعر 100 دولار للبرميل كمستوى سعر تعادل للنفقات مقابل العوائد، وأشاروا إلى أن اقتراب الأسعار من 100 دولار للبرميل، أصبح مصدر قلق مقارنة بالسنوات القليلة الماضية، حينما كانت تلك الأسعار تشكل مصدر ارتياح.
    وأضاف: إن سوق البترول تحتاج إلى سعر مرتفع لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، خصوصا مع زيادة الإنتاج من مصادر جديدة وأكثر صعوبة مثل الزيوت الرملية والصخرية والبحرية، والزيوت المستخرجة من تحت طبقات الملح في المياه العميقة جدا، حيث إن هذه المصادر الجديدة للبترول تساعد على وضع حد أدنى لأسعار البترول في الأجل الطويل.
    وأشار إلى تصريح الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، المهندس خالد الفالح بأنه "للاستفادة من هذه المصادر البترولية التي تزداد كلفة، يجب أن تكون أسعار البترول مرتفعة بما يكفي لجذب الاستثمارات المطلوبة. أما الوجه الآخر للعملة نفسها، فهو أن الأسعار في الأجل الطويل ستحظى بدعم التكلفة المرتفعة للبرميل الجديد المنتج من هذه المصادر".
    وقال الأمير عبد العزيز بن سلمان: لقد أظهرت السوق البترولية إشارات إلى التحديات المقبلة بخصوص التكاليف المتزايدة، والنقص في القوى العاملة، وتقلص مناطق وجود البترول الرخيص والسهل، وبينما شهدت الأسعار الفورية تراجعا في الأسابيع الأخيرة، فإن أسعار بترول "برنت" للأجل الطويل، تتداول حاليا بأسعار أعلى من السنة الماضية.
    ولفت الانتباه إلى أنه إضافة إلى مصادر الإمداد الأكثر كلفة وصعوبة، فإن معظم المنظمات الدولية تتوقع المزيد من الاعتماد على منطقة الشرق الأوسط، خصوصا دول مجلس التعاون الخليجي والعراق. ففي النشرة الأخيرة من "تقرير الاستثمار العالمي في مجال الطاقة" World Energy Investment Outlook، تشير وكالة الطاقة الدولية IEA إلى ضرورة زيادة الاستثمار في قطاع البترول في منطقة الشرق الأوسط، لتعويض الانخفاض في مناطق أخرى من العالم.
    وفي حال لم تنجح دول الشرق الأوسط في زيادة الاستثمار، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ترتفع أسعار البترول بنحو 15 دولارا فوق مستوى الأسعار الراهنة بحلول عام 2025 بالأسعار الحقيقية.
    وتشير هذه الأنماط من العرض والطلب إلى أن أساسيات أسواق الطاقة في الأجل الطويل لا تزال قوية. ففي السوق البترولية، وعلى غرار أي سوق أخرى، يمكن أن تؤثر عوامل مؤقتة، كالمخاوف بشأن تعافي الاقتصاد العالمي، والأحداث الجيوسياسية، والمضاربات في الأسواق المالية للسلع، ومنها البترول، في تقلبات السعر في الأجل القصير.
    لكن بالنسبة إلى منتج ومصدر رئيس للبترول كالسعودية، من مصلحتها في الأجل الطويل استقرار السوق، فإن التقلبات اليومية، والأسبوعية أو حتى الشهرية، غير مهمة ولا تتعدى أن تكون مصدر ضوضاء حول اتجاه ثابت.
     

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية